وأخيرا تغبر الطقس؛ جبال الثلوج المتراكمة ذابت بعد شتاء قاس. الشمس ترسل أشعتها الدافئة وتدعو الناس للخروج من بيوتها؛ كلنا مللنا من كآبة وبؤس الشتاء وبتنا نستعد لصفارة الانطلاق
الربيع ههنا، زقزقة العصافير، رائحة التراب الأسود والعشب من فوقه، والألوان تكاد تعمي العيون التي اعتادت على درجات الأبيض والأسود
الملابس الثقيلة اختفت في زاوية بعيدة لتترك مكانا للألوان الزاهية والأقمشة الخفيفة
بدأنا ننتظر الصباح لنقرر إلى أي حديقة ننطلق؛ نسرع إلى الخروج فقد أصبح البيت مظلما كئيبا مقارنة بتلك الحدائق
نأخذ الماء والخبز في طريقنا ونتسابق مع الدقائق لنلحق بالحافلة المارة أمام بيتنا؛ ونكتشف أننا لسنا لوحدنا؛ الكل خطرت له نفس الفكرة والكل يرحب بقدوم الربيع
وفي إحدى تلك الحدائق، وبينما نحن مستمتعين بالأكل والهواء المنعش نظرت حولي لأرى ذلك الرجل يشق خطواته على العشب الأخضر، فكه الأعوج وشعره الأبيض الخفيف يعبران عن عمر طويل تركه ورائه، التجاعيد العميقة في وجهه وظهره المنحني يجعلونك ترأف لحاله. كان يمشي لوحده مخاطبا نفسه مهمهما بأصوات بدت لا معنى لها
كنت أراقبه عن كثب غير واعية بنفسي، كان كل شئ من حولي متكاملا
وتغيرت الصورة، حدث فيها خلل وتبعثر الشعور بالانسجام
انطلق الغريب في اتجاه سلة المهملات، وبدأت يداه تبحث بين أكياس النفايات، يفتح الكيس تلو الآخر، يقلب صناديق الأكل المرمية. رحت أحلل المنظر الغريب، لم تبدو ملابسه قديمة ولا بالية، لم يشبه شكله المشردين الذين أراهم كل يوم يلفون الشوارع بحثا عن بضعة قروش
لم أعد أستطيع انتزاع نظري عنه، خفت أن يلحظني ولكنه كان منغمسا في عمله غير ملاحظا لشئ حوله. ظننت أنه قد يكون جائعا، ترددت في أن نناديه ليشاركنا لقمتنا ولكنني أخيرا تراجعت وظللت أراقبه
من حولنا عائلات أخرى ولكنهم لم يشاركوني اهتمامي، لم يأبه أحد بالرجل المسكين مرسلا يديه بين الأوساخ والبقايا
فكرت في حل اللغز ولم أجد حلا مقنعا وأكملت أكلي مراقبة إياه
ولم ألاحظ أن اللغز بدأ ينحل، كنت متعمقة في التفكير سارحة بأفكاري لأجد الصورة أمامي باتت تؤول إلى الإتقان
الرجل العجوز الرائع رمى بقايا الأكل إلى جانبه على الأرض، شرائح البطاطا التي رماها سرعان ما اختفت في أفواه طيور النورس الجميلة؛ وهو يناديها مخرجا من جيبه قطعة قماش ليمسح يديه المتلطخة، سمعته يقول لها تعالي هنا لتأكلي
شعرت بالحب لهذا الرجل الحنون، ملأني إحساس بوحدته، كم تمنيت أن أصافح هذه اليد الرحيمة لأشكرها
وبعد أن تأكد من اختفاء كل الشرائح اختفى من تلك الصورة المتقنة ليترك ورائه فراغا أسودا
نسيت الرجل وأكملت استمتاعي بهدوء الحديقة ولكنه ظهر مجددا ولكن في صورة مختلفة
قررنا العودة ققد اختفت الشمس لبرهة الآن، أخدنا حاجياتنا وانطلقنا، أرسلت نظري لصورة أخيرة من الحديقة، لأجد الرجل الحنون واقفا يمسح يديه مرة أخرى ولكن إلى جانب سلة جديدة، وطيور النورس تتشاجر على اللقيمات التي وجدها بين النفايات.ذكرني بالرأفة التي أمرنا بها رسولنا الكريم والتي باتت معدومة بيننا كبشر قكيف الحال بالحيوانات؟
الربيع ههنا، زقزقة العصافير، رائحة التراب الأسود والعشب من فوقه، والألوان تكاد تعمي العيون التي اعتادت على درجات الأبيض والأسود
الملابس الثقيلة اختفت في زاوية بعيدة لتترك مكانا للألوان الزاهية والأقمشة الخفيفة
بدأنا ننتظر الصباح لنقرر إلى أي حديقة ننطلق؛ نسرع إلى الخروج فقد أصبح البيت مظلما كئيبا مقارنة بتلك الحدائق
نأخذ الماء والخبز في طريقنا ونتسابق مع الدقائق لنلحق بالحافلة المارة أمام بيتنا؛ ونكتشف أننا لسنا لوحدنا؛ الكل خطرت له نفس الفكرة والكل يرحب بقدوم الربيع
وفي إحدى تلك الحدائق، وبينما نحن مستمتعين بالأكل والهواء المنعش نظرت حولي لأرى ذلك الرجل يشق خطواته على العشب الأخضر، فكه الأعوج وشعره الأبيض الخفيف يعبران عن عمر طويل تركه ورائه، التجاعيد العميقة في وجهه وظهره المنحني يجعلونك ترأف لحاله. كان يمشي لوحده مخاطبا نفسه مهمهما بأصوات بدت لا معنى لها
كنت أراقبه عن كثب غير واعية بنفسي، كان كل شئ من حولي متكاملا
وتغيرت الصورة، حدث فيها خلل وتبعثر الشعور بالانسجام
انطلق الغريب في اتجاه سلة المهملات، وبدأت يداه تبحث بين أكياس النفايات، يفتح الكيس تلو الآخر، يقلب صناديق الأكل المرمية. رحت أحلل المنظر الغريب، لم تبدو ملابسه قديمة ولا بالية، لم يشبه شكله المشردين الذين أراهم كل يوم يلفون الشوارع بحثا عن بضعة قروش
لم أعد أستطيع انتزاع نظري عنه، خفت أن يلحظني ولكنه كان منغمسا في عمله غير ملاحظا لشئ حوله. ظننت أنه قد يكون جائعا، ترددت في أن نناديه ليشاركنا لقمتنا ولكنني أخيرا تراجعت وظللت أراقبه
من حولنا عائلات أخرى ولكنهم لم يشاركوني اهتمامي، لم يأبه أحد بالرجل المسكين مرسلا يديه بين الأوساخ والبقايا
فكرت في حل اللغز ولم أجد حلا مقنعا وأكملت أكلي مراقبة إياه
ولم ألاحظ أن اللغز بدأ ينحل، كنت متعمقة في التفكير سارحة بأفكاري لأجد الصورة أمامي باتت تؤول إلى الإتقان
الرجل العجوز الرائع رمى بقايا الأكل إلى جانبه على الأرض، شرائح البطاطا التي رماها سرعان ما اختفت في أفواه طيور النورس الجميلة؛ وهو يناديها مخرجا من جيبه قطعة قماش ليمسح يديه المتلطخة، سمعته يقول لها تعالي هنا لتأكلي
شعرت بالحب لهذا الرجل الحنون، ملأني إحساس بوحدته، كم تمنيت أن أصافح هذه اليد الرحيمة لأشكرها
وبعد أن تأكد من اختفاء كل الشرائح اختفى من تلك الصورة المتقنة ليترك ورائه فراغا أسودا
نسيت الرجل وأكملت استمتاعي بهدوء الحديقة ولكنه ظهر مجددا ولكن في صورة مختلفة
قررنا العودة ققد اختفت الشمس لبرهة الآن، أخدنا حاجياتنا وانطلقنا، أرسلت نظري لصورة أخيرة من الحديقة، لأجد الرجل الحنون واقفا يمسح يديه مرة أخرى ولكن إلى جانب سلة جديدة، وطيور النورس تتشاجر على اللقيمات التي وجدها بين النفايات.ذكرني بالرأفة التي أمرنا بها رسولنا الكريم والتي باتت معدومة بيننا كبشر قكيف الحال بالحيوانات؟